فصل: تفسير الآية رقم (155):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)}.
أخرج ابن منده في المعرفة من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قتل تميم بن الحمام ببدر وفيه وفي غيره نزلت {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {لمن يقتل في سبيل الله} قال: في طاعة الله، في قتال المشركين.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي العالية في قوله: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء} قال: يقول: هم أحياء في صور طير خضر، يطيرون في الجنة حيث شاءوا، ويأكلون من حيث شاءوا.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير عن عكرمة في قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات} الآية. قال: أرواح الشهداء طير بيض فقاقيع في الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في البعث والنشور عن كعب قال: جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وأولاد المؤمنين الذين لم يبلغوا الحنث عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح.
وأخرج عبد الرزاق عن معمرعن قتادة قال: بلغنا أن أرواح الشهداء في صور طير بيض تأكل من ثمار الجنة، وقال الكلبي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «في صورة طير بيض تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} قال: ذكر لنا أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض تأكل من ثمار الجنة، وان مساكنهم السدرة، وان الله أعطى المجاهد ثلاث خصال من الخير: من قتل في سبيل الله كان حيًا مرزوقًا، ومن غلب آتاه الله أجرًا عظيمًا، ومن مات رزقه الله رزقًا حسنًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {بل أحياء} قال: كان يقول: من ثمر الجنة، ويجدون ريحها وليسوا فيها.
وأخرج مالك وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرواح الشهداء في صور طير خضر معلقة في قناديل الجنة حتى يرجعها الله يوم القيامة».
وأخرج النسائي والحاكم وصححه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله له: يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل فيقول: سل وتمنّ فيقول: وما أسألك وأتمنى، أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيل الله عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)}.
قوله تعالى: {أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ} خبر مبتدأ محذوف أي: لا تقولوا: هم أموات، وكذلك {أحياء} خبر مبتدأ محذوف أي: بل هم أحياء.
وقد راعى لفظ {مَنْ} مرة فأفرد في قوله: {يقتل}، ومعناها أخرى، فجمع في قوله: {أموات بل أحياء} واللام هنا للعلة، ولا تكون للتبليغ؛ لأنهم لم يُبَلِّغُوا الشهداء قوله هذا.
والجملة من قوله: هم أموات في محلّ نصب بالقول؛ لأنها محكية به.
وأما {بل هم أحياء} فيحتمل وجهين:
أحدهما: ألا يكون له محل من الإعراب، بل هو إخبار من الله- تعالى- بأنهم أحياء، ويرجحه قوله: {وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ}؛ إذ المعنى لا شعور لكم بحياتهم.
والثاني: أن يكون محلّه النصب بقول محذوف تقديره، بل قولوا: هم أحياء، ولا يجوز أن ينتصب بالقول الأول لفساد المعنى، وحذف مفعول {يشعرون} لفهم المعنى: أي بحياتهم، والله أعلم. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (155):

قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان من شأن الطين الذي منه البشر وما تولد منه أن لا يخلص عن الشوائب إلا بعد معاناة شديدة، ألا ترى أن الذهب أصفاه وهو لا يخلو عن الغش ولا يعرى عما خالطه من الدنس إلا بالامتحان بشديد النيران! قال تعالى معلمًا لهم بالتربية بما تحصل به التصفية بما تؤدي إليه مناصبة الكفار ومقارعة أهل دار البوار: {ولنبلونكم} عطفًا على ما أرشد إليه التقدير من نحو قوله: فلنأمركم بمقارعة كل من أمرناكم من قبل بمجاملته وليتمالأن عليكم أهل الأرض ولنبلونكم أي يصيبكم بأشياء إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم ليظهر الصابر من الجزع. قال الحرالي: فالصبر الأول أي في {إن الله مع الصابرين} عن الكسل وعلى العمل، والصبر الثاني أي في {وبشر الصابرين} على مصائب الدنيا، فلذلك انتظم بهذه الآيات آية: {ولنبلونكم} عطفًا وتجاوزًا لأمور يؤخذ بها من لم يجاهد في سبيل الله ضعفًا عن صبر النفس عن كره القتال {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القتال وهو كره لكم} [البقرة: 216] فمن لم يحمل الصبر الأول على الجهاد أخذ بأمور هي بلايا في باطنه تجاوزها الخطاب فانعطف عليها {ولنبلونكم بشيء من الخوف} وهو حذر النفس من أمور ظاهرة تضرها {والجوع} وهو غلبة الحاجة إلى الغذاء على النفس حتى تترامى لأجله فيما لا تتأمل عاقبته، فإذا كان على غير غلبة مع حاجة فهو الغرث، فلذلك في الجوع بلاء مّا والغرث عادة جارية. وقال أيضًا: الجوع فراغ الجسم عما به قوامه كفراغ النفس عن الأمنة التي لها قوام مّا، فأفقدها القوامين في ذات نفسها بالخوف وفي بدنها بالجوع لما لم تصبر على كره الجهاد، وقد كان ذلك لأهل الصبر عليه أهون من الصبر على الخوف والجوع، وأيما كان أول نائلهم من هذا الابتلاء الخوف حيث خافوا الأعداء على أنفسهم فجاءهم إلى مواطنهم، من لم يمش إلى طبيبه ليستريح جاء الطبيب لهلاكه، وشتان بين خوف الغازي للعدو في عقره وبين خوف المحصرفي أهله، وكذلك شتان بين أرزاق المجاهد وتزويده وخير الزاد التقوى في سبيله لجهاده وبين جوع المتخلف في عيلته. انتهى.
ونكر الشيء وما بعده حثًا على الشكر بالإشارة إلى أن كل ما أصاب منها ففي قدرة الله ما هو أعظم منه، فعدم الإصابة به نعمة.
ولما كان الجوع قد يكون عن رياضة بين أنه عن حاجة بقوله: {ونقص} وهو التقاصر عن الكفاف {من الأموال} أي النعم التي كانت منها أغذيتهم. قال الحرالي: لأن ذلك عرف استعمالهم في لفظ المال. وقال أيضًا: والمال ما هو للمتمول بمنزلة الجزء منه عنده لماله لذلك منه، فضاعف تعالى مثال البلاء في ذوات أنفسهم وأبدانهم ليقطع عنهم راحة تطلع الكفاية من الأموال في مقابلة ما ينال المجاهد من الغناء والرزق، فالمجاهد آمن في جيشه متزود في رحله غانم من عدوه، والمتخلف خائف في أهله جائع في عيلته ناقص المال من ذات يده. انتهى.
ولما كان ذلك قد يكون عن إفراط في الكثرة قال: {والأنفس} قال الحرالي: فيه إشعار بأن من جاهد كثر عدده ونما ولده، وأن من تكاسل قل عدده ودرج خلفه، وفي ضمنه إشعار بمنال المتكاسل حواصد من جوارف الآجال من الوباء والطاعون وغيره. انتهى.
وقال: {والثمرات} التي هي نفس الأشجار التي بها قوام أنفس الأبدان تخصيصًا لها بالذكر، لأنها أعظم أموال الأنصار الذين هم من أخص الناس بهذا الذكر لاسيما في وقت نزول هذه الآيات وهو أول زمان الهجرة. اهـ.
سؤال: فإن قيل إنه تعالى قال: {واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] والشكر يوجب المزيد على ما قال: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} فكيف أردفه بقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف}؟.
والجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى أخبر أن إكمال الشرائع إتمام النعمة، فكان ذلك موجبًا للشكر، ثم أخبر أن القيام بتلك الشرائع لا يمكن إلا بتحمل المحن، فلا جرم أمر فيها بالصبر.
الثاني: أنه تعالى أنعم أولًا فأمر بالشكر، ثم ابتلى وأمر بالصبر، لينال الرجل درجة الشاكرين والصابرين معًا، فيكمل إيمانه على ما قال عليه الصلاة والسلام: «الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر». اهـ.
سؤال: ما الحكمة في تقديم تعريف هذا الابتلاء؟
وأما الحكمة في تقديم تعريف هذا الابتلاء ففيها وجوه:
أحدها: ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت، فيكون ذلك أبعد لهم عن الجزع، وأسهل عليهم بعد الورود.
وثانيها: أنهم إذا علموا أنه ستصل إليهم تلك المحن، اشتد خوفهم، فيصير ذلك الخوف تعجيلًا للابتلاء، فيستحقون به مزيد الثواب.
وثالثها: أن الكفار إذا شاهدوا محمدًا وأصحابه مقيمين على دينهم مستقرين عليه مع ما كانوا عليه من نهاية الضر والمحنة والجوع، يعلمون أن القوم إنما اختاروا هذا الدين لقطعهم بصحته، فيدعوهم ذلك إلى مزيد التأمل في دلائله، ومن المعلوم الظاهر أن التبع إذا عرفوا أن المتبوع في أعظم المحن بسبب المذهب الذي ينصره، ثم رأوه مع ذلك مصرًا على ذلك المذهب كان ذلك أدعى لهم إلى اتباعه مما إذا رأوه مرفه الحال لا كلفة عليه في ذلك المذهب.
ورابعها: أنه تعالى أخبر بوقوع ذلك الابتلاء قبل وقوعه، فوجد مخبر ذلك الخبر على ما أخبر عنه فكان ذلك إخبارًا عن الغيب فكان معجزًا.
وخامسها: أن من المنافقين من أظهر متابعة الرسول طمعًا منه في المال وسعة الرزق فإذا اختبره تعالى بنزول هذه المحن فعند ذلك يتميز المنافق عن الموافق لأن المنافق إذا سمع ذلك نفر منه وترك دينه فكان في هذا الاختبار هذه الفائدة.
وسادسها: أن إخلاص الإنسان حالة البلاء ورجوعه إلى باب الله تعالى أكثر من إخلاصه حال إقبال الدنيا عليه، فكانت الحكمة في هذا الابتلاء ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: الخوف خوف الله تعالى والجوع صوم رمضان، والنقص من الأموال الزكوات والصدقات، ومن الأنفس الأمراض، ومن الثمرات موت الأولاد، وإطلاق الثمرة على الولد مجاز مشهور لأن الثمرة كل ما يستفاد ويحصل، كما يقال: ثمرة العلم العمل، وأخرج الترمذي من حديث أبي موسى وحسنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: أقبضتم ثمرة قلبه؟ فيقولون: نعم، فيقول الله تعالى: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد» واعترض ما قاله الإمام بعد تسلم أن الآية نزلت قبل فرضية الصوم والزكاة بأن خوف الله تعالى لم تزل قلوب المؤمنين مشحونة به قبل نزول الآية، وكذا الأمراض وموت الأولاد موجودان قبل، فلا معنى للوعد بالابتلاء بذلك، وكذا لا معنى للتعبير عن الزكاة وهي النمو والزيادة بالنقص، وأجيب بأن كون قلوب المؤمنين مشحونة بالخوف قبل لا ينافي ابتلاءهم في الاستقبال بخوف آخر، فإن الخوف يتضاعف بنزول الآيات، وكذا الأمراض، وموت الأولاد أمور متجددة يصح الابتلاء بها في الآتي من الأزمان، والتعبير عن الزكاة بالنقص لكونها نقصًا صورة وإن كانت زيادة معنى فعند الابتلاء سماها نقصًا، وعند الأمر بالأداء سماها زكاة ليسهل أداؤها. اهـ.
سؤال: لماذا قال بشيء ولم يقل بأشياء؟
الجواب: إنما قال: بشيء ولم يقل بأشياء لئلا يوهم أن أشياء تدل على ضروب من الخوف. وكذا الباقي فلما قال بشيء كان التقدير بشيء من الخوف، وبشيء من الجوع. وقيل: معناه بشيء قليل من هذه الأشياء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجيءَ بكلمة شيءٍ تهوينًا للخبر المفجع، وإشارة إلى الفرق بين هذا الابتلاء وبين الجوع والخوف اللذين سلطهما الله على بعض الأمم عقوبة، كما في قوله: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} [النحل: 112] ولذلك جاء هنا بكلمة شيءٍ وجاء هنالك بما يدل على الملابسة والتمكن، وهو أن استعار لها اللباس الملازم لللاَّبس، لأن كلمة شيء من أسماء الأجناس العالية العامَّة، فإذا أضيفت إلى اسم جنس أو بينت به علم أن المتكلم ما زاد كلمة شيء قبل اسم ذلك الجنس إلاّ لقصد التقليل لأن الاقتصار على اسم الجنس الذي ذكره المتكلم بعدها لو شاء المتكلم لأغنى غَناءَها، فما ذكر كلمة شيء إلاّ والقصد أن يدل على أن تنكير اسم الجنس ليس للتعظيم ولا للتنويع، فبقي له الدلالة على التحقير. اهـ.

.قال الماوردي:

{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: وبشر الصابرين على الجهاد بالنصر.
والثاني: وبشر الصابرين على الطاعة بالجزاء.
والثالث: وبشر الصابرين على المصائب بالثواب، وهو أشبه لقوله من بعد: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}. اهـ.